الاستطباب... والمسؤولية الطبية!

الاستطباب... والمسؤولية الطبية!

من موقع الدكتور محمد نور كزكز
http://dr-kazkaz.com

لمهنة الطب أهمية وخصوصية تميزها عن باقي المهن, اكتسبتها من تعاملها المباشر مع الذات البشرية, خِلقَةٌ إلهيةٌ مُعجِزَةُ الإتقان, فللإنسان (جسداً وعقلاً وقلباً) حُرمَة خاصة أدت لتحميل الطبيب مسؤولية تعامله معه منذ دخوله إليه كمريض.

يمكن إجمال مهمة الطبيب بكونها من مرحلتين كبيرتين متتاليتين (التشخيص ثم العلاج), تؤدي مرحلة التشخيص إلى تحديد مُسَمّى المرض بعد تعرض المريض لمراحل التشخيص المختلفة, يتلوها العلاج والمؤدي إلى التخلص من المرض بعد تعرض المريض لمراحل العلاج المختلفه.

((( للمزيد حول التشخيص والعلاج يرجى مراجعة مقالة سابقة بعنوان "التشخيص والعلاج" ))) رابط مباشر

تقع مسؤولية كل إجراءات التشخيص والعلاج على الطبيب, وهي مسؤولية كبيرة نابعة من التعامل المباشر مع الإنسان من جهة ومن كثرة المتغيرات الحاكمة فيه من جهة أخرى, فالأجسام لا تتماثل وإن تماثل المرض!

وَلّدَت هذه الخصوصية العالية حاجة الطبيب للمساعدة في تحمل مسؤولية قراراته الطبية من خلال وضع أسس علمية عملية للتعامل (مقاربة) المريض تؤدي لممارسة مهنية آمنة له وأفضل خدمة ممكنة للمريض, فكانت النتيجة تطوير علوم الاستطباب.

فالاستطباب هو التبرير المُتفَق عليه للإجراء الطبي (التشخيصي أو العلاجي), وله نوعان:

♦ مُطلَق: لا يحتمل الاجتهاد أو التغيير الشخصي, بل هو حاكم للعمل الطبي.
♦ نسبي: يحتمل الجدل والنقاش والتغيير الشخصي بحسب المعطيات الخاصة بالحالة المرضية.

ولتقريب المعنى نذكر المثال التالي: في حال شك الطبيب بحالة انفتال خصية فهذا استطباب مطلق للعمل الجراحي, أي أن تشخيص (انفتال خصية) أدى لاستطباب مطلق لعلاج محدد للحالة (العمل الجراحي), ويدان الطبيب (بقيامه بخطأ طبي) في حال اختياره لإجراء آخر وخاصة حين حدوث اختلاطات ناتجة عن ذلك بسبب وجود استطباب مطلق للحالة, ويكون بذلك قد خرج عن الحماية التي يؤمنها له الطب وبالتالي القانون والمتمثلة بالاستطباب, مثال ذلك كمثل تجاوز سائق السيارة لإشارة مرورية حمراء, فخرق قواعد السير المُطلَقَة بالوقوف تؤدي لإدانة السائق بشكل كامل وخاصة حال حدوث حادث مروري ناجم عنه, مع الأخذ بعين الاعتبار فارق التشبيه!!!

يتم تطوير ومراجعة علوم الاستطباب في المراكز الطبية المرجعية ومن قبل خبراء, معتمِدِين على العلوم الطبية الموثقة والمنطق الطبي ونتائج الأبحاث العلمية والإحصائية المجراة والخبرات العلمية المتراكمة والمتعلقة كلها بمختلف الحالات الطبية تشخيصاً وعلاجاً. يتم إدراج الاستطبابات في المراجع الخاصة بكل فرع اختصاصي من فروع الطب, كما يتم تعليمها للأطباء في مراحل تأهيلهم وتدريبهم المختلفة.

من خلال الاستطباب أصبحت هناك قوانين وقواعد مهنية تحكم الممارسة الطبية, ساعدت في تحمل قسم معتبر من مسؤولية الطبيب تجاه المريض خلال مراحل التشخيص والعلاج, وأعانته فيهما, مما أدى إلى شبه تلاشي حاجة الطبيب للارتجال الشخصي في قراراته الطبية وخاصة بعد التوصل إلى التشخيص! فالممارسة الطبية المبنية على أسس الاستطباب تعطي أفضل النتائج من جهة ومحمية من قبل مهنة الطب (وبالتالي من القانون) في حال حدوث اختلاطات من جهة أخرى.

فالطبيب في يومنا هذا مُلزَمٌ بوجود الاستطباب لكل إجراء تشخيصي أو علاجي يقرره على المريض, فالممارسة الطبية المفتقِرَة للاستطباب غير مبررة أو معذورة, ومدانة, ووخيمة العواقب!

ختاماً, يجدر بالذكر وجوب التفريق بين الاستطباب ومدى حرفية الطبيب, فكثيراً ما نسمع عن اتهام أطباء بالقيام بخطأ طبي بناءً على حدوث اختلاط ما!! فكما سبق الذكر, فإن اختلاطات القرار الطبي (التشخيصي أو العلاجي) المُتخَذ محمية بوجود الاستطباب وبالتالي ينتفي الخطأ الطبي, إلا أن نوعية هذه الاختلاطات وطبيعتها وحدوثها أصلاً مرتبطة بعوامل كثيرة أحدها جودة تأهيل وتدريب الطبيب والذي يختلف فيه الأطباء فيم بينهم!

شكرا لك admin على الموضوع المفيد